يتمتع الأطفال بقدرة على اكتساب وتعلم جميع اللغات التي ينطق بها الناس حولهم، والطفل المغترب -على سبيل المثال- لا يجد صعوبة في تعلم لغة البلد الجديد.
وتعلم اللغة الجديدة يشكل تحديا للطفل كي يستطيع التواصل مع الجيران والأصدقاء الجدد والزملاء في المدرسة، وبالتالي يكتسبها ويتقنها بسرعة كبيرة.
ويتمتع الأطفال بقدرة كبيرة على تعلم اللغات حتى سن العاشرة، وتقل هذه القدرة كلما تقدم في العمر.
اللغات وألزهايمر
تؤكد الأبحاث أن متعددي اللغة تحتوي أمخاخهم على كثافة أعلى من المادة البيضاء، وهي المادة التي تحوي أغلب خلايا المخ العصبية ووصلاتها، إضافة إلى ارتفاع نشاط عدة مناطق بالمخ لديهم مقارنة بزملائهم ممن ينطقون لغة واحدة.
هذا النشاط يتوقع الباحثون أنه سيكون مفيدا لهم لمواجهة أمراض مثل ألزهايمر فيما بعد، بحسب الدراسة المنشورة في دورية “ناشيونال أكاديمي أوف ساينسز”.
وخلصت تلك الدراسة -التي عقدت مقارنة بين 45 شخصا تحدثوا الألمانية والإيطالية وأربعين شخصا ممن تكلموا إحدى هاتين اللغتين فقط ممن يشتبه في أنهم مرضى ألزهايمر- إلى أن تأثيرات التحدث بلغتين أقوى من عوامل السن والتعليم في ما يتعلق بتوفير الحماية ضد التدهور المعرفي.
كما أن الأشخاص الذين تحدثوا بلغتين منذ الصغر، قد يتأخر تعرضهم للإصابة بألمزهايمر بمعدل بين أربع وخمس سنوات.
ولتوضيح سبب ذلك يقول القائمون على الدراسة إن هذه الآثار الوقائية يمكن أن تكون نتيجة مباشرة لكيفية تكيف المخ البشري مع بذل الجهد الإضافي، الذي يحدث عند التعامل بلغتين أو أكثر من اللغات.
إضافة إلى الوقاية من أمراض التدهور المعرفي وسرعة الشفاء من السكتات الدماغية التي أثبتتها الدراسة السابقة، فإن متعددي اللغة تكون لديهم قدرة أكبر على التحول من نشاط لآخر بكفاءة، مما يجعلهم أكثر قدرة على أداء المهام المطلوبة منهم بسرعة أكبر من زملائهم، كما تزداد قدرتهم على حل المشكلات، والخروج من الأزمات، إضافة إلى أن نسب تركيزهم قد تكون الأعلى.
بالنسبة للجانب الاجتماعي
فإن الطفل الذي تعلم اللغات المتعدده يستطيع تقبل الثقافات الأخرى وفهم سياقاتها والتعامل مع أهلها بصورة منفتحة، كما يؤهله ذلك لتقبل الآخرين وتفهم الاختلافات بينهم؛ فيصبح أكثر مرونة وتسامحا.
غير أن اختصاصي أمراض التخاطب والنطق محمود إسماعيل يرى أن تعلم أكثر من لغة يتسبب في مشكلة ازدواجية اللغة، وهي التي تؤدي بنسبة كبيرة إلى مشاكل اضطرابات الكلام والتهتهة، خاصة في السنوات الأولى من عمر الطفل وحتى الخامسة، كما أن تعليم أكثر من لغة يؤدي إلى تشتيت الطفل وعدم الانتباه، وصعوبة تنفيذ الأوامر، فهو لا يعرف بأي لغة يجب أن يفكر وعلى أي لغة يجب أن يركز.
ولتجنب هذه المشكلات ينصح اختصاصي أمراض اللغة بألا يتم تعليم الطفل أكثر من لغتين إلا بعد الرابعة أو الخامسة من عمره. وتتفق معه في ذلك الاستشارية بالصحة النفسية والإرشاد كوكب الوداعي، التي تؤكد للجزيرة نت أهمية عامل السن أثناء بدء تعليم الأطفال أكثر من لغة، وأشارت إلى أن تعلم اللغات الأجنبية يكون أفضل بعد سن الخامسة أو السادسة.
وبحسب الوداعي، فإن الطفل في سن السادسة وحتى 11 لديه القدرة على الاستيعاب وفهم المعاني ومحتويات ومكونات اللغة التي يتعلمها.
اللغة الأم
أما بالنسبة للسنوات الخمس الأولى من عمر الطفل، فهي الأهم في تكوين اللغة الأم التي يتعلمها الطفل من قبل العائلة والوالدين، وفي حال كان الأبوان يتحدثان بلغتين مختلفتين في المنزل، وفي هذه الحالة ينمو الطفل ولديه القدرة على اكتساب اللغتين، لأن الاحتكاك بالوالدين لحظي وفي كل أمور الحياة، وبالتالي ترتفع فرص الابن لتعلم لغتين في وقت واحد منذ الصغر.
وتؤكد الوداعي أهمية تعليم الأطفال اللغة الثانية أو الثالثة بعد وصول الطفل سن خمس سنوات، فهذه اللغات تكون المفتاح والنافذة التي سيطل منها الابن على العالم. كما أنه أصبح للعلوم المختلفة لغاتها الخاصة، التي يجب تعلمها لتفتح أمام الأبناء مجالات في الوظائف والتميز في العمل مستقبلا.
أما بالنسبة للآباء ممن يتخوفون على اللغة الأم من تعلم أبنائهم لغات أجنبية، فهذا التخوف لا محل له من الصحة، وتؤكد الوداعي أن الحفاظ على اللغة الأم هي مهمة الأبوين، فإذا كان الابن عليه تعلم اللغات الأخرى في المدرسة أو مراكز تعلم اللغات، فالبيت لديه دور مهم، وهو الحفاظ على اللغة الأم وعدم تجاهلها.
المصدر : الجزيرة